الاخبار

تعرف على قصة المحيا.. حلية المساجد العثمانية في رمضان

منذ ما يقرب من أربعة قرون، ظهر فن جديد وﻷول مرة في تاريخ عاصمة الدولة العثمانية إسطنبول، وتحول هذا الفن إلى تقليد عثماني،صمد أمام عوامل الانقراض على أمد 400 عام و ما زال حتى يومنا هذا، فما هو هذا الفن؟ وكيف ظهر؟

فن المحيا، هو عبارة عن زينة تعلق بين مآذن الجوامع العثمانية بشبكات من المصابيح الزيتية على شكل جملة أو رمز، ويتم تعليقها خلال المناسبات الدينية الهامة في العالم الإسلامي.

ولشهر رمضان خاصية دينية عند المسلمين بشكل عام والأتراك بشكل خاص، الذين يسمونه “سلطان الشهور الأحد عشر”، ويعلقون هذه الجملة كمحيا وغيرها من العبارات مثل “مرحبا يا شهر رمضان” ، و”صوموا تصحوا”.

ويعلق المحيا مع حلول شهر رمضان بعد فترة تحضير تبدأ من منتصف شهر شعبان، وفي أواخر شهر رمضان تعلق عبارات مثل “وداعا يا شهر رمضان”، و”لا إله إلا الله”.

في فترة حكم السلطان العثماني أحمد الأول، قدم الحافظ الكوفي أحد أشهر الخطاطين وهو أيضا أحد مؤذني جامع الفاتح بإسطنبول، لوحة فنية جميلة إلى السلطان، فأعجب بها بشدة وأمر الكوفي بإضاءة اللوحة بالقناديل الزيتية وتعليقها بين مئذنتي “الجامع الأزرق” جامع السلطان أحمد بإسطنبول، ويعود تاريخ هذه الحادثة إلى الفترة بين عامي 1616 و1617.

ثم أصدر السلطان أحمد الأول فرمانا، بتعليق المحيا على مآذن كل الجوامع في السلطنة في كل شهر رمضان، فعلقت على جامع السليمانية والجامع الجديد بمنطقة أمينونو وجامع عتيقة والدة ومن ثم كافة الجوامع ذات المئذنتين.

وبعد إعجاب السلطان بالمحيا وأمره بتعليقه بين مئذنتي الجوامع، تحولت مهنة الخطاط الكوفي إلى تقليد فني وحرفة، تعلق على مآذن كل الجوامع في السلطنة في كل شهر رمضان وتضاء قناديلها من المغرب وحتى طلوع الفجر.

كلمة محيا هي كلمة فارسية الأصل، وأصلها ماهية وتعني الشهري، أما كلمة ماح فمعناها القمر، وباللغة العثمانية ماح تعني نور الوجه.

في عهد الدولة العثمانية، صنع المحيا من القنادبل المضيئة بزيت الزيتون، حيث كانت تركب على حبال مشدودة بين مئذنتين، وكان المحيا الواحد يضم ما بين 400 إلى 500 قنديل مجهز بشكل خاص حتى لا ينطفئ بسرعة ولا يتسبب في حريق، وكانت صناعته مكلفة ومتعبة وتتطلب مهنية عالية وشجاعة من المحياجي (صاحب مهنة المحيا).

وعلى الرغم من ذلك، فقد كان حرفيو المحيا يتنافسون في العهود السابقة على تغيير عبارات المحيا بشكل متكرر ويومي، بعد انتهاء صلاة التراويح ما كان يضفي لونا حماسيا على ليالي رمضان القديمة.

وفي عام 1724، علقت المحيا على مآذن أيا صوفيا ﻷول مرة.

ونجح عبد اللطيف أفندي، كبير حرفيي المحيا في تطوير وتحسين هذه المهنة، حيث صنع محيا تتحرك من اليمين إلى اليسار وعلقها بين مئذنتي جامع السليمانية، مستعملا ثلاثة حبال، وبعد وفاته عام 1787، حل أولاده محله، وهكذا تناقلت الأجيال هذه المهنة.

وفي عام 1878، تم تركيب محيا في جامع بايزيد، تفنن فيها صانعها، فقد صور مدفعية تطلق النار على قلعة، فلما رآه سفير بريطانيا آنذاك آثار بلبلة لتشبيهه إياه بمدفعية تقصف كنيسة، قدم احتجاجا رسميا ضد هذا المحيا لوزارة الخارجية العثمانية، فتم توضيح الحقيقة له.

ويشترط لتعليق المحيا، أن يتكون للجامع مئذنتان طويلتان، وكانت مآذن جامع السلطان أيوب قصيرة، فلم يتمكن الصانعون من تعليق المحيا عليها، لذلك هدمت المئذنتان وبنيت مكانهما مئذنتان طويلتان ليعلق عليهما المحيا.

واحتج أهل أوسكودار على عدم وجود المحيا في مساجد الحي على غرار الجوامع الأخرى، فأمر السلطان آنذاك ببناء مئذنة ثانية لمسجد السلطانة مهريماه ابنة السلطان سليمان القانوني، وعلق المحيا بين المئذنتين.

وفي الجوامع ذات المئذنة الواحدة تلبس القباب بالقناديل.

احتلت مهنة المحيا مكانة مهمة ونالت إعجاب سكان الدولة العثمانية والزوار، وكان الأجانب يتداولون الحديث فيما بينهم عن المحيا، قائلين إن “الأتراك نجحوا بإنزال النجوم من السماء واستعمالها للكتابة بين المآذن”.

واليوم، لم يفقد شهر رمضان مكانته و عاداته عند الشعب التركي، بل حافظ على عاداته العثمانية التي أهدت لشهر رمضان مهنة المحيا.

 

المصدر

1